إجراءات المحاكمة الغيابية في المادة الجنائية - عمر الموريف


إجراءات المحاكمة الغيابية في المادة الجنائية

مجلة قانونك
إجراءات المحاكمة الغيابية في المادة الجنائية

إجراءات المحاكمة الغيابية في المادة الجنائية
-  دراسة مقارنة على ضوء النص القانوني والعمل القضائي -

من إعداد: عمر الموريف
رئيس المكتب الجهوي لودادية موظفي العدل بورزازات
 


مقـــدمة
المحاكمة بمفهومها الضيق هي المرحلة الأخيرة من أعمال التحقيق في الدعوى [1]، وتتطلب المحاكمة الزجرية شروطا عديدة وإجراءات محددة واردة في قانون المسطرة الجنائية ضمانا لمحاكمة عادلة وشفافة قائمة على مبادئ العلنية والشفوية والحضورية.
والأصل في المحاكمة الجنائية هي حضور المتهم أمام المحكمة، إذ يتضح من المادة 423 من قانون المسطرة الجنائية أن هذا الحضور أمر ضروري سواء للمتهم المعتقل الذي أكدت نفس المادة على أنه يمثل حرا ومرفوقا فقط بحراس لمنعه من الفرار[2]، أو المتهم المتابع في حالة سراح الذي عليه الاستجابة للاستدعاء الموجه إليه للجلسة محددة التاريخ، وإلا وجه إليه الرئيس إنذاراً بواسطة عون من القوة العمومية يسخره الوكيل العام للملك، فإن لم يمتثل للإنذار جاز للرئيس أن يأمر بإحضاره للجلسة بواسطة القوة العمومية.
غير أنه في حالات محددة يتخلف المتهم عن الحضور أمام الغرفة الجنائية سواء لظروف قاهرة خارجة عن إرادته، أو عن سبق إصرار منه مما يستلزم على المحكمة الجنائية سلوك مساطر خاصة تواجه به هذا الاستثناء الحاصل أمامها، فإذا كان تعذر حضور المتهم إلى الجلسة بسبب وضعه الصحي لا يثير أية إشكالية مادام أن المادة 312 من ق.م.ج قد أتت بمستجد راعى المشرع المغربي من خلاله تحقيق مبدأ المحاكمة العادلة من جهة وضمان حسن ســير أجهزة العدالة من جهة أخرى[3]، إذ خـــول للمحكمة في هـــذه الحالة أن تكلف بمقتـــضى مقـرر خاص ومعلل أحد أعضائها بمساعدة كاتب الضبـــط للانتقال إلى حيث يوجد المتهم ليقوم باستنطاقه، وتحدد المحكمة عند الاقتضاء الأسئلة التي يقترحها القضاة والنيابة العامة والأطـــراف، ويكون الاستنطاق بمحــضر محامي المتهم لأن مؤازرة المحامي للمتهم إلزامي في المادة الجنائية، ويكون محتوى المحضر الذي حرره كاتب الضبط محل مناقشة علنية.
ويبقى تخلف المتهم في غير الحالة المشار إليها أعلاه، أو بسبب طرده من الجلسة متى أثار الضوضاء، هو الذي يجعل من المحكمة الجنائية تسلك مسطرة خاصة منظمة للمحاكمة الغيابية أمامها، وهي المسطرة الغيابية التي تطبق متى تخلف المتهم عن الحضور بالرغم من تسلمه للاستدعاء، أو فراره بعد الإفراج المؤقت عليه أو الوضع تحت المراقبة القضائية، أو الفرار بعد إلقاء القبض عليه، أو تعذر القبض عليه، وفي هذه الحالة سمح المشرع من خلال قانون المسطرة الجنائية بمحاكمته غيابيا وفق مسطرة تتسم إجراءاتها بنوع من التشدد تجد مبررها في خطورة المتهم الذي بتصرفه على النحو الآنف الذكر يقيم قرينة بمقتضاها يفترض أنه ارتكب الجريمة وإلا ما لجأ لعصيان تنفيذ الأمر بالحضور لساحة القضاء بالتخلف عنه، أو فراره بعد حضوره، أو إلقاء القبض عليه[4].
وإذا كان الحكم غيابيا على المتهم أمام غرفة الجنايات الابتدائية لا يطرح إشكالا ما دامت مقتضيات المسطرة الغيابية المنصوص عليها في الفصول من 443 إلى 454 من قانون المسطرة الجنائية تطبق أمامها في هذه الحالة، فإن الإشكال قد طُرح أمام غرفة الجنايات الاستئنافية وذلك بعد أن صدر عن محكمة النقض اجتهادان مختلفين، قضت في الأول على أن المسطرة الغيابية لا تطبق أمام الغرفة الثانية للجنايات، لتتراجع في الثاني عن هذا الاجتهاد وتقضي بوجوب تطبيق هذه المسطرة أمام الغرفة المذكورة، وبعض المحاكم اعتمدت على مسطرة القيم بعد صدور الاجتهاد القاضي بعدم إمكانية تطبيق المسطرة الغيابية، وذلك بالرغم من الإشكالات العديدة التي يطرحها هذا الإجراء.
  وبالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية المغربي، نجد أنه جعل من القرارات الجنائية الصادرة غيابيا قابلة للطعن فيها وفق منطوق المادة 451 منه، غير أننا ـ وبفهمنا المتواضع ـ نرى أن ذلك يخلق نوعا من التناقض بين الفصول المنظمة للمسطرة الغيابية من جهة، ومن أخرى الإشكالات التي تطرح نفسها في هذا الصدد، من خلال التعامل الأوجب الأخذ به حين الطعن في القرار الجنائي الصادر غيابيا، وبعده إلقاء القبض على المحكوم عليه بعد سلوك المسطرة الغيابية في حقه، أو تقديمه لنفسه للسلطات المعنية[5] .
وإلماما بموضوع إجراءات المحاكمة الغيابية أمام المحكمة الجنائية، وللوقوف على الإشكالات المطروحة أمامها، ارتأيت تناول هذا الموضوع من خلال مباحث أربعة أساسية نخصص الأول لشروط مباشرة إجراءات المحاكمة الغيابية، وبينما نجعل الثاني للإجراءات المتبعة خلال هذا النوع من المحاكمات، قبل أن نشير في الثالث بالطعن في القرار الجنائي الغيابي، على أن نختم ببعض الإشكالات العملية المتعلقة بالمحاكمة الغيابية في المادة الجنائية في مبحث رابع.
اختص القانون محاكم الجنايات بأحكام خاصة عن تلك المقررة أمام محاكم الجنح والمخالفات منها ما يتعلق بأحكام دخول الدعوى في حوزة المحكمة وضرورة حضور المتهم بنفسه جلسات المحاكمة مما يكون ثبوت غيابه شرطا لإجراء المحاكمة الغيابية في حقه[6].
وعليه حتى تنطلق إجراءات المحاكمة الغيابية الجنائية، لا بد من توفر شرطين أساسين أولهما اتصال المحكمة بالدعوى الجنائية اتصالا صحيحا، وثانيهما تخلف المتهم عن الحضور أمامها وفق الحالات المنصوص عليها 443 من قانون المسطرة الجنائية، وهما الشرطين الذين سنتناول هما في المطلبين التاليين:
  حسب المادة 419 من قانون المسطرة الجنائية، فالقضية تحال على غرفة الجنايات على النحو التالي:
§      بقرار الإحالة  الصادر عن قاضي التحقيق؛
§      بإحالة من الوكيل العام للملك طبقا للمادتين 49 و 73 من ق.م.ج؛
§      بإحالة من الغرفة الجنحية عند إلغاء قرار قاضي التحقيق بعدم المتابعة.
وهو ما سنتناوله في الفقرات التالية:
طبقا للمادة 54 من قانون المسطرة الجنائية، فقاضي التحقيق يتصل بالقضية بإحدى الطريقتين التاليتين:
أولا: بملتمس من النيابة العامة
 والملتمس عبارة عن طلب مكتوب تصدره النيابة العامة، بمقتضاه تلتمس من قاضي التحقيق الوارد اسمه في الصك  بإجراء تحقيق في وقائع محددة تكون خاضعة للتحقيق الإعدادي إن بصورة إلزامية أو اختيارية[7].
ومن المعلوم أن التحقيق يكون إلزاميا في القضايا التالية:
                             أ‌-          الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو التي يصل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها ثلاثين سنة؛
                          ب‌-       في الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث (م 83 ق.م.ج).
ثانيا: بالمطالبة بالحق المدني أمام قاضي التحقيق:
إذ يمكن لكل شخص ادعى أنه تضرر من جناية أن يتقدم بشكايته إلى قاضي التحقيق وفق ما نصا عليه المادة 92 من قانون المسطرة الجنائية.
وعندما ينتهي قاضي التحقيق من إجراءات التحقيق الإعدادي، وتبين له أن الأفعال تكون جناية، يصدر أمرا بالمتابعة ويحل ملف القضية على غرفة الجنايات (م 218 من ق.م.ج).
يمكن للوكيل العام للملك أن يحيل ملف القضية مباشرة إلى غرفة الجنايات متى توفرت الشروط التالية:
1.     أن تكون الجريمة متلبس بها طبقا لمقتضيات المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية؛
2.     أن تكون القضية جاهزة للحكم؛
3.     أن تكون الجريمة غير منتمية للجرائم التي يعتبر فيها التحقيق إلزاميا.
في هذه الحالة يقوم الوكيل العام للملك (أو أحد نوابه) باستفسار المتهم عن هويته وإشعاره بالمنسوب إليه، وبحقه في تنصيب محام عنه حالا وإلا عُين له تلقائيا من طرف رئيس الجنايات.
وله أن يأمر بوضعه رهن الاعتقال وإحالته على غرفة الجنايات داخل خمسة عشر (15) يوما على الأكثر.
إذا أصدر قاضي التحقيق – بعد إجراءات التحقيق الإعدادي- أمرا بعدم متابعة المشابه فيه متى تبين له أن الأفعال المنسوبة إليه غير ثابتة في حقه، فإنه يمكن الطعن ضد هذا القرار أمام الغرفة الجنحية، هذه الغرفة التي تناقش القرار وتصدرا قرارها الذي قد يكون مؤيدا لقرار قاضي التحقيق أو ملغيا إياه.
وإذا ألغت الغرفة الجنحية قرار قاضي التحقيق القاضي بعدم المتابعة، فعليها أن تأمر بمتابعة المشتبه فيه بالفعل المنسوب إليه وإحالة القضية على غرفة الجنايات.
وطبقا للمادة 244 من قانون المسطرة الجنائية فيجب على قرار الإحالة أن يتضمن بيانا بالأفعال ووصفها القانوني والنصوص المطبقة، وعند الاقتضاء الأمر بإيداع المتهم في السجن أو إلقاء القبض عليه.
كما أوجبت المادة 420 من نفس القانون وتحت طائلة البطلان توجيه الاستدعاء للأطراف يتضمن ملخصا للوقائع، ووصف الجريمة، والمواد القانونية التي تعاقب عليها.
يعد غياب المتهم شرطا ثانيا لإجراء المحاكمة الجنائية غيابيا في حقه، وقد حددت المادة 443 من ق.م.ج الحالات التي يعتبر فيها المتهم غائبا عن الجلسة، وبالتالي إمكانية إجراء المسطرة الغيابية التي تعدد نقطة انطلاق المحاكمة الغيابية، وهذه الحالات هي:
1.     تعذر القبض على المتهم بعد الإحالة؛
2.     فرار المتهم بعد القبض عليه؛
3.     عدم استجابة المتهم للاستدعاء الموجه إليه بعد الإفراج عنه مؤقتا، أو وضعه تحت المراقبة القضائية.
أما المشرع الفرنسي فقد أوجب في المادة 389 من قانون الإجراءات الجنائية في حالة هروب المتهم استدعاؤه إلى الجلسة المحددة لمحاكمته بناء على آخر عنوان معروف له، أو إلى النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية التي تقع في دائرة نفوذها محكمة الجنايات، وذلك لمدة لا تقل عن عشرة أيام قبل الجلسة المحددة للمحاكمة.
وبخصوص القضاء المصري فقد اعتبر المتهم غائبا إذا لم يمثل في جلسة المحاكمة ولم تسمع البينة في حضرته ولم يقدم دفاعه أو يسعه أن يتمه[8]، وبذلك يكون اختلاف القانون المصري في هذا الشأن عن القانون الفرنسي إذ اقتصر قانون الإجراءات المصري على التحقق من غياب المتهم بعد اتصال المحكمة بالدعوى وإعلانه قانونا بالجلسة، بينما تطلب قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي لإثبات الغياب صدور أمر من المحكمة ابتداء بالمحاكمة الغيابية بعد التحقق من غياب المتهم على وجه معين، ومفاد ذلك أن القانون الفرنسي يشترط صدور قرار من المحكمة بإثبات غياب المتهم وهو ما لم يشترطه القانون المصري[9].
وإن كان المشرع المغربي يتوافق والمشرع الفرنسي في اشتراط صدور قرار من المحكمة بإثبات غياب المتهم، فالمشرع الفرنسي قد عدل عن مجموعة من الأثار بمقتضى القانون رقم 204 لسنة 2004 التي لا يزال المشرع المغربي محتفظا بها في المادة 443 من ق.م.ج كإعلان حالة عصيان القانون، ومصادرة الممتلكات والحقوق الوطنية على سبيل التحفظ...الخ.
تتم إجراءات المحاكمة الغيابية في القانون المغربي بعد تطبيق المسطرة الغيابية المنصوص عليها في المواد من  443 إلى 454 من قانون المسطرة الجنائية، ويجب التمييز هنا بين الإجراءات التي تتم في غياب المتهم، وتلك التي تتم حين حضور المتهم سواء من تلقاء نفسه أو بعد إلقاء القبض عليه، وهو ما سنتناوله في مطلبين مستقلين كالآتي:
إذا تخلف المتهم عن الحضور وطبقت في حقه المسطرة الغيابية، يتم إنجاز مجموعة من الإجراءات (الفقرة الأولى) التي ينتج عنها آثار محددة (الفقرة الثانية):
الفقرة الأولى: إجراءات المسطرة الغيابية
نصت على هذه الإجراءات المادة 443 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تتمثل في:
أولا: صدور الأمر القضائي بإجراء المسطرة الغيابية
يصدر رئيس غرفة الجنايات الأمر القاضي بإجراء المسطرة الغيابية في حق المتهم المتغيب وفق الحالات المشار إليها سالفا، ويشار فيه إلى هوية المتهم وأوصافه والجناية المتابع بها، وأنه قد وقع أمر إلقاء القبض عليه، وأنه عليه أن يحضر داخل أجل ثمانية أيام وإلا أعتبر عاصيا للقانون، ويوقف عن مزاولة حقوقه المدنية وتُعقل أملاكه خلال مدة التحقيق الغيابي، ويُمنع عليه رفع أية دعوى قضائية خلال نفس المدة، ويُصرح بأنه سيحاكم رغم تغيبه، وأن على كل شخص أن يدل على المكان الذي يوجد فيه.
وقد اعتبرت محكمة النقض المغربية عدم احترام مقتضيات المادة 443 من ق.م.ج موجب للنقض، حيث أكدت في قرار لها عدد 2070 الصادر بتاريخ 30/12/2009 بالملف الجنائي عدد: 3901-6-10-07 على أن:
 " القرار المطعون فيه لم يطبق المادة 443 من قانون المسطرة الجنائية تطبيقا سليما، لأن الوقائع توضح أن المطلوب غير موجود في مكان سكناه، بمعنى أنه لم يستجب للاستدعاء بالمثول، وهو الشرط الثاني لإجراء المسطرة الغيابية ثم إن القرار جاء فاسد التعليل لأن وجود مسطرة غيابية سابقة ونفس التهمة والبراءة الصادر فيها لا تقتضي الحكم بالبراءة بل التصريح بسبقية البث في نفس القضية، هذا إن ثبت ذلك بواسطة وثائق صحيحة، وهو ما لم يثبت في وثائق الملف، مما يعرض القرار للنقض." [10]
ثانيا: تعليق الأمر وإشعار مديرية الأملاك المخزنية
يعلق الأمر بإجراء المسطرة الغيابية بباب آخر مسكن للمتهم، أو بباب المحكمة الجنائية مصدرة الأمر في حالة عدم معرفة هذا المسكن، وترسل نسخة إلى مدير الأملاك المخزنية بالدائرة التي كان يوجد بها آخر مسكن للمتهم، أو إلى مدير الأملاك المخزنية بالمكان الذي تنعقد فيه المحكمة الجنائية عند عدم معرفة هذا المسكن (م 444 ق.م.ج).       
ثالثا: إذاعة الأمر بإجراء المسطرة الغيابية
طبقا للمادة 445 من ق.م.ج فإنه يتعين إذاعة الأمر الصادر بإجراء المسطرة الغيابية ثلاث مرات داخل أجل ثمانية أيام بواسطة الإذاعة الوطنية، ويتضمن الإعلان الإشارة إلى أنه صدر عن غرفة الجنايات المعنية أمر بإجراء المسطرة الغيابية ضد المتهم مع بيان هويته، والإشارة إلى آخر مسكن له والتهمة الموجهة إليه، ثم بيان أوصافه، مع إنذاره بأن يقدم نفسه حالا إلى أية جهة قضائية أو إدارية، وعلى كل شخص يعرف مكان تواجده أن يعلم به هذه الجهات.
رابعا: محاكمة المتهم غيابيا
رتبت المادة 446 من ق.م.ج على عدم حضور المتهم شخصيا داخل الثمانية أيام الموالية لإذاعة الأمر الصادر بإجراء المسطرة الغيابية في حقه، محاكمته دون حضور أي محام استثناء من القاعدة التي نصت عليها المادة 423 بضرورة حضور المحامي في المادة الجنائية لمؤازرة المتهم[11]، لكن من الناحية العملية فغالبا ما يلتمس الدفاع تسجيل حضوره عن المتهم بالرغم من عدم تقديم أي دفوعات أو دفاع لصالحه.
وقد حددت المادة 448 من ق.م.ج إجراءات المحاكمة الغيابية في حق المتهم من خلال تلاوة كاتب الضبط بالجلسة القرار بالإحالة والأمر بإجراء المسطرة الغيابية، ثم تستمع المحكمة للطرف المدني حالة تواجد وكذا إلى ملتمسات النيابة العامة، لتقضي المحكمة بعد صحة إجراءات المسطرة الغيابية في التهمة الموجهة للمتهم وفي المطالب المدنية عند الاقتضاء.
أما إذا تم إغفال أحد الإجراءات المنصوص عليها في المادتين 443 و444 من ق.م.ج، فالمحكمة تصرح ببطلان المسطرة الغيابية وتأمر بإعادتها ابتداء من الإجراء الذي تم إغفاله.
وفي القانون المقارن، نجد المشرع الأردني بدوره يقر مجموعة من الإجراءات الخاصة بالمحاكمة الغيابية للمتهم أمام المحاكم الجنائية، فإجراءات محاكمة الفار من وجه العدالة إجراءات سريعة، تتلى الأوراق وهي قرار الاتهام ولائحة الاتهام وقرار الظن وفق المادة 248 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وبعد ذلك تسمع المحكمة لبينة النيابة وشهادة الشهود وبينة المدعي الشخصي وأقوالهما وطلباتهما. ثم  تفصل المحكمة في الدعوى على الوجه الذي تراه عادلا وفقا للأدلة المقدمة في الدعوى، وتعلن خلاصة الحكم على المتهم بمعرفة النيابة العامة خلال عشرة أيام من تاريخ صدوره وفق نص المادة 250 من نفس القانون، ويصبح الحكم نافذا من اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية[12].
وما نسطره من ملاحظة في هذا الإطار أن كلا المشرعين المصري (في المادة 386 من قانون الإجراءات الجنائية) والأردني (في المادة 248 من قانون أصول المحاكمات) قد أشارا معاً إلى الاستماع إلى الشهود في المحاكمة الغيابية إلى جانب النيابة العامة والمدعي بالحق المدني، وذلك عكس المشرع المغربي الذي اقتصر على سماع النيابة العامة والطرف المدني كما نصت على ذلك المادة 448 من قانون المسطرة الجنائية، ونعتقد أن ذلك لا يعدو أن يكون مجرد إغفال لم ينتبه إليه المشرع عند وضع المادة، سيما وأن المادة 453 من ق.م.ج قد أكدت في فقرتها السادسة أنه في الحالة التي يتعذر لسبب من الأسباب الاستماع إلى الشهود خلال المناقشات، تليت بالجلسة شهادتهم المكتوبة، وهنا نستنتج أنه في حالة الاستماع إلى الشهود أثناء المحاكمة الغيابية، وتعذر حضورهم إلى الجلسة التي حضرها المتهم بعد تسليمه لنفسه أو إلقاء القبض عليه، تتم تلاوة شهادتهم التي تم تدوينها أثناء المحاكمة الغيابية. وعليه نقترح أن يتدارك المشرع هذا الإغفال الواقع في المادة 448 المذكورة، على أن تكون فقرتها الثانية على الصيغة التالية: " تستمع المحكمة بعد تلاوة ما تقدم إلى الطرف المدني، إن كان طرفا إلى الدعوى وإلى ملتمسات النيابة العامة، وتستمع إلى الشهود إذا رأت ضرورة لذلك".


[1] الدكتور رؤوف عبيد، مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري، ط13،س 1979، ص: 632.
[2] نفس المبدأ أقره المشرع المصري في قانون الإجراءات الجنائية في المادة 270/1 الذي جاء فيها: " يحضر المتهم الجلسة بغير قيود ولا أغلال، وإنما تجري عليه الملاحظة اللازمة ".
[3] شرح قانون المسطرة الجنائية- الجزء الثاني : إجراءات المحاكمة وطرق الطعن، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل، العدد 7، الطبعة الخامسة ، س 2006، ص: 81.
[4] د. عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية ،الجزء الثاني، ط  3 ، ص: 368.
[5] عمر الموريف: القرار الغيابي وإشكالاته في المادة الجنائية، مقال منشور بالمجلة الإليكترونية المتوسط للدراسات القضائية والقانونية ، العدد الثاني يناير 2015، ص: 27.
[6] الكتور طارق سرور: المحاكمة الغيابية في مواد الجنايات، ط 1، س 2007، ص: 13.
[7] ذ عبد الواحد العلمي، شروح في قانون المسطرة الجنائية الجديد، ج 2 ط 2. ص: 33.
[8] طعن رقم 4066 لسنة 55 ق، بتاريخ: 17 مارس 2004.
[9] الدكتور طارق سرور، المرجع السابق، ص: 33.

[10] منشور بمجلة الإشعاع العدد 37-38 دجنبر  2010 ص 286. راجع بهذا الخصوص قانون المسطرة الجنائية والعمل القضائي المغربي على ضوء التعديلات الجديدة، للأستاذ نورالدين التائبو نائب الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بآسفي، ط 1، س 2014، ص: 290.
[11] حسب المادة 316 من قانون المسطرة الجنائية فحضور المحامي إلزامي في الجنايات.
[12] الكتور محمد صبحي نجم: الوجيز في قانون أصول المحاكمات الجزائية، الطبعة 1،سنة 2006، ص: 489.

من أجل تتمة المقال - يرجى تحميله أسفله

من أجل تحميل هذا المقال كاملا -  إضغط هناك - أو أسفله

قانونك

من أجل تحميل العدد الرابع - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث