لـمحة عن محكمة العدل الدولية - محمد أمين اسماعيلي

لـمحة عن محكمة العدل الدولية

مجلة قانونك
لـمحة عن محكمة العدل الدولية


لـمحة عن محكمة العدل الدولية[1]

بتصرف من: محمد أمين اسماعيلي
مهتم بنشر المعرفة القانونية
باحث في قوانين التجارة والأعمال


تصدير وكيل الأمين العام للشؤون القانونية والمستشار القانوني للأمم المتحدة
إنه لمن دواعي سروري البالغ أن أساهم بتصدير لهذا المنشور المفيد للغاية بشأن طرق قبول الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لولاية محكمة العدل الدولية.
ويُدرج ميثاق الأمم المتحدة محكمةَ العدل الدولية ضمن الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة، إلى جانب الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، والأمانة العامة. ويشكّل النظام الأساسي للمحكمة جزءا من الميثاق، مما يجعل المحكمة جزءا لا يتجزأ من منظومة الأمم المتحدة وهي في خِدمة المنظمة نفسها، وفي خدمة الدول الأعضاء فيها.
وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، تزايد نشاط المحكمة. وأصبح عدد متزايد من الدول الأعضاء يلجأ إلى المحكمة، نظرا إلى أنها تتيح وسيلة ملائمة وفعالة لحل الخلافات بينها بطريقة سلمية. وإن الولاية الفريدة للمحكمة، التي تشمل جميع القضايا التي يعرضها عليها الأطراف وجميع المسائل المنصوص عليها بصفة خاصة في ميثاق الأمم المتحدة أو في المعاهدات والاتفاقات المعمول بها، إلى جانب طابعها العالمي، وكذلك حجية القرارات التي تتخذها وطابع ولايتها القائم على الموافقة، جميعها أمور تجعل من المحكمة الآلية المفضّلة للفصل في المنازعات القانونية بين الدول.
ولإعطاء المزيد من الدفع لهذا الزخم المطّرد ولتشجيع الدول الأعضاء على إحالة منازعاتها القانونية إلى المحكمة، أطلق الأمين العام، في عام 2013، حملةً تهدف إلى زيادة عدد الدول التي تعترف بالولاية الجبرية للمحكمة بموجب الفقرة 2 من المادة 36 من النظام الأساسي للمحكمة، ولتشجيع الدول على سحب التحفظات التي كانت قد أبدتها على بنود التحكيم الواردة في المعاهدات الدولية التي هي أطراف فيها. وقد نجحت الحملة في إعادة توجيه الانتباه الدولي إلى المحكمة وفي تسليط الضوء على أهمية التسوية السلمية للمنازعات الدولية.
وأعتقد أنه من المهم بصفة خاصة أن تدعم الدول الأعضاء هذه الجهود التي تبذلها المنظمة وأن تشارك بنشاط في المبادرات الرامية إلى زيادة الترويج لهدف تحقيق القبول العالمي بولاية المحكمة العالمية. ونَشر هذا الدليل في الوقت المحدد، الذي اشترك في إعداده كل من سويسرا وهولندا وأوروغواي والمملكة المتحدة وليتوانيا واليابان وبوتسوانا، مثالٌ جيد على المساهمة الإيجابية التي يمكن أن تقدمها الدول الأعضاء لهذه العملية. وأنا أشيد بالجهود التي بذلها مؤلّفو هذا المنشور من أجل تقديم توجيهات موجزة ومفيدة بشأن مختلف الخيارات المتاحة لقبول ولاية المحكمة، باستخدام بنود نموذجية وأمثلة أخرى قد تكون مفيدة للعاملين في هذا المجال ولصانعي القرارات. وأنا على ثقة بأن الدليل سيكون بالغ الفائدة للكثيرين.

       أولا - دليل القارئ
1 - يمثل حفظ السلم والأمن أحدَ أهمّ أهداف المجتمع الدولي. وهذا الهدف مكرَّس في ميثاق الأمم المتحدة بوصفه أحد مقاصد المنظمة. وينص أحد المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة على أن ’’يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر‘‘.
2 - وقد كررت الأمم المتحدة تأكيد مبدأ التسوية السلمية للمنازعات في كثير من المناسبات، ولا سيما في عام 1970 (إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة)، وفي عام 1982 (إعلان مانيلا بشأن تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية)، وفي عام 2005 (نتائج مؤتمر القمة العالمي)، وفي العديد من الصكوك المكرَّسة لسيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي التي اعتمدتها مؤخرا الجمعية العامة ومجلس الأمن.
3 - ولا يقتصر ميثاق الأمم المتحدة على مطالبة الدول بحل نزاعاتها بطرق سلمية؛ بل يوفر أيضا منبرا للتسوية السلمية للمنازعات وفقا للقانون الدولي. وهذه هي المهمة الرئيسية لمحكمة العدل الدولية.
                           أ‌-          ما هي محكمة العدل الدولية؟
4 - أنشئت محكمة العدل الدولية في عام 1945 بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وبدأت عملها في عام 1946. وهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، كما أنها مؤسسة محورية لتسوية المنازعات القانونية بين الدول بطرق سلمية. وهي تؤدي مهامها وفقا لنظامها الأساسي الذي يعد جزءا لا يتجزأ من الميثاق. وقد حلت مكان محكمة العدل الدولي الدائمة، التي أنشئت بموجب عهد عصبة الأمم، والتي عملت خلال الفترة ما بين عامي 1922 و 1940، وتم حلُّها في عام 1946. ويوجد مقر محكمة العدل الدولية في لاهاي، هولندا.
5 - وتتألف المحكمة من 15 قاضيا تقوم الجمعية العامة ومجلس الأمن بانتخابهم لفترة ولاية مدتها تسع سنوات، ويقدم لها الدعمَ قلمُ المحكمة، وهو جهازها الإداري الدائم. وينبغي أن يمثل القضاة الـ15 معًا الأشكال الرئيسية للحضارة وللنظم القانونية الرئيسية في العالم. واللغتان الرسميتان للمحكمة هما الفرنسية والإنكليزية.
6 - وتتمثل المهمة الرئيسية للمحكمة في أن تفصل، وفقا لنظامها الأساسي والقانون الدولي، في المنازعات القانونية التي تحيلها إليها الدول.[2] وتُصدر المحكمة أيضا فتاوى بشأن مسائل قانونية تحيلها إليها الجمعية العامة، أو مجلس الأمن، أو أجهزة الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة الأخرى التي تأذن لها الجمعية العامة بذلك.[3]
                          ب‌-                من الذي يجوز له اللجوء إلى المحكمة؟
7 - لتصبح دولتان طرفين في قضية موضع اختصاص قضائي خلافي معروضة على المحكمة، يجب على كلتا الدولتين أن تلجآ إلى المحكمة وأن تقبلا ولايتها على النحو التالي:
       - يمكن للدول التي هي أطراف في النظام الأساسي للمحكمة أن تتقاضى إلى المحكمة. وجميع أعضاء الأمم المتحدة بحكم عضويتهم أطرافٌ تلقائيا في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. ورهنا باستيفاء شروط معينة، يجوز لدولة ليست عضوا في الأمم المتحدة أن تنضّم إلى النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. وبصفة استثنائية، يجوز أيضا للدول التي هي ليست أطرافا في النظام الأساسي للمحكمة أن تتقاضى إلى المحكمة؛[4] وقد حدد مجلس الأمن، في قراره 9 (1946) المؤرخ 15 تشرين الأول/أكتوبر 1946، الشروطَ التي يجوز بموجبها للدول التي ليست أطرافا في النظام الأساسي للمحكمة أن تتقاضى إلى المحكمة.
       -تعتمد ولاية المحكمة على موافقة الدول التي يجوز لها أن تتقاضى إليها. وفي قضية معينة، تكون ولاية المحكمة سارية إذا وافق الطرفان على تسوية الخلاف القائم بينهما عن طريق المحكمة. ويمكن الإعراب عن هذه الموافقة عن طريق إعلانات أحادية الجانب، أو بموجب معاهدات، أو بإبرام اتفاقات خاصة. ويمكن الإعراب عن الموافقة أيضا بعد عرض القضية على المحكمة.
                          ت‌-                كيف تعمل المحكمة؟
8 - إن عرض قضية ما على المحكمة يعني إحالة المسألة إلى هيئة قضائية مستقلة ونزيهة تتخذ قراراتها على أساس معايير قانونية موضوعية. ثم تقيّم المحكمة الأدّلة المقدَّمة إليها والحجج القانونية التي تعرضها الأطراف وما يتصل بها من قواعد القانون الدولي ومبادئه من أجل إصدار حكم معلَّل وعادل.
9 - وتتألف الدعوى المعروضة على المحكمة من جزء خطي وجزء شفوي. ولدى جميع الأطراف فرصة متكافئة لتقديم حججها بشأن ولاية المحكمة، وكذلك بشأن مقبولية القضية قيد النظر وحيثياتها. وأثناء سير الدعوى، أو حتى أثناء رفعها، يجوز لأي طرف أن يطلب من المحكمة أن تأمر باتخاذ تدابير مؤقتة من أجل منع وقوع ضرر وشيك أو لا يمكن تداركه قد يلحق بالحقوق المتنازع عليها، قبل أن تتاح فرصة للمحكمة للبت في حيثيات القضية. ويمكّن هذا الصكُ المحكمةَ من التصرف بسرعة وفعالية، إذا اقتضت الظروف ذلك، من أجل الحفاظ على حقوق الأطراف.
10 - وينتهي سير الدعوى بصدور حكم عن المحكمة، ما لم تتوقف الإجراءات القضائية. والأحكام الصادرة عن المحكمة ملزمة للأطراف، وهي نهائية وغير قابلة للاستئناف. ويجب أن يتقيد كل طرف من الأطراف بهذا الحكم. ويتضمن ميثاق الأمم المتحدة حكما باللجوء إلى مجلس الأمن إذا امتنع أحد الأطراف عن الامتثال لحكم المحكمة (الفقرة 2 من المادة 94). وأحكام المحكمة، نظرا لكونها صادرة عن الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، تُؤخذ بجدية بالغة. وعادة ما تبذل الدول قصارى جهدها للامتثال لها. وكثيرا ما يُشار إلى الاجتهاد القضائي للمحكمة، ليس فقط من جانب المحاكم الدولية الأخرى، ولكن أيضا من جانب المحاكم المحلية. وتعتمد لجنة القانون الدولي على الاجتهاد القضائي للمحكمة في أعمالها المتصلة بتشجيع التطوير التدريجي للقانون الدولي وتدوينه. وكثيرا ما يُشير المستشارون القانونيون والباحثون في مجال القانون الدولي أيضا إلى الاجتهاد القضائي للمحكمة في عملهم اليومي. وهكذا فإن التقدير الذي يحظى به الاجتهاد القضائي للمحكمة يوفِّر زخما إيجابيا لكي تضمن المحكمة إصدار أحكام واضحة ومعلَّلة بشكل جيد ومتَّسقة.
                          ث‌-         القضايا السابقة
11 - منذ إنشاء المحكمة في عام 1945، عُرض عليها ما يزيد على 130 قضية من قضايا المنازعات أفضت إلى إصدار ما يزيد على 110 أحكام. وقد قامت المحكمة بتسوية منازعات في العديد من مجالات القانون الدولي. وقد أرست اجتهادا قضائيا راسخا في مجالات المنازعات المتعلقة بتعيين الحدود البحرية والحدود البرية. وقامت أيضا بتسوية منازعات في مجالات متنوعة من قبيل مسؤولية الدولة، وتفسير المعاهدات الثنائية أو المتعددة الأطراف، والسيادة على التضاريس البحرية، والحماية الدبلوماسية، وحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، والقانون البيئي، وحماية الموارد الحية والصحة البشرية. وتلجأ الدول بشكل متزايد إلى المحكمة بوصفها المنتدى الملائم تماما لتسوية المنازعات التي يمكن أن تترتب عنها تداعيات محتملة على الحفاظ على البيئة الطبيعية وما يتصل بها من مسائل.
12 - وشارك ما يزيد على 90 دولة في دعاوى قضائية معروضة على المحكمة، من بينها دول في أفريقيا وآسيا (بما في ذلك الشرق الأوسط)، وأمريكا الجنوبية والوسطى والشمالية، وأوقيانوسيا، وأوروبا. وبما أن دولا من جميع المناطق في العالم، رغم اختلافاتها القانونية والسياسية والثقافية، قد وضعت ثقتها في المحكمة، فإن ذلك يؤكد بعدها العالمي ويعزز سلطتها. وفي العديد من الحالات، ساهم عمل المحكمة والأحكام الصادرة عنها في تعزيز العلاقات بين الدول الأطراف في منازعة ما. وما أن تنظر المحكمة في المنازعة، يمكن للأطراف الانتقال إلى التركيز على تنمية التعاون فيما بينها على أساس سليم.
13 - وبالإضافة إلى تسوية منازعات محددة، تضطلع المحكمة بمهمة حيوية أخرى تتمثل في شرح القوانين. فقواعد القانون الدولي ليست دائما بالدقة والوضوح المنشودين. وينطبق ذلك بصفة خاصة على القانون الدولي العرفي. وعندما تُعرض قضية ما على المحكمة، فإن ذلك يتيح لها فرصة إصدار حكم ذي حجية بشأن مسائل القانون الدولي. وعندما تقوم بذلك، توضّح المحكمةُ القانونَ الدولي وتطوره، مما يضفي المزيد من اليقين القانوني.
                          ج‌-         ما الذي يجعل المحكمة هيئة قضائية ذات جاذبية خاصة؟
14 - يستخلص من اللمحة العامة الواردة أعلاه عن هيكل المحكمة ووظائفها وأثرها أن من مصلحة الدول أن تلجأ إلى المحكمة لتسوية منازعاتها. وفي الواقع، فالمحكمة هيئة القضائية ذات جاذبية خاصة، ولا سيما للأسباب التالية:
§         المحكمة بوسعها أن تنظر في أي منازعة قانونية ذات صلة بالقانون الدولي -
§         المحكمة تسوي المنازعات بين الدول بالوسائل السلمية -
§         المحكمة تتيح خياراً للخروج من المآزق الدبلوماسية بالطرق السلمية
§         المحكمة تتيح آلية لتسوية المنازعات، فعّالة وميسورة التكلفة
§         للمحكمة ما يقرب من 100 سنة من الخبرة في مجال تسوية المنازعات
§         المحكمة تصدر أحكاماً ذات حجية
§         المحكمة تعزز سيادة القانون على الصعيد الدولي.
  . من أجل تتمة المقال يرى تحميله أسفله



[1]  عن موقع محكمة العدل الدولية: 

من أجل تحميل هذا المقال كاملا -  إضغط هناك - أو أسفله

قانونك

من أجل تحميل العدد الرابع - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث